القنال نيوز - صحيفة الكترونية ورقية أخبارية يومية شاملة

الاعلامى خالد مصطفى يكتب : القمة المصرية الأوروبية شراكة جديدة لصنع التوازن بين الجنوب والشمال

 

في مشهد يعكس عمق التحولات الجارية في العلاقات بين ضفّتي المتوسط عقدت في بروكسل يوم 22 أكتوبر 2025 أول قمة مصرية أوروبية من نوعها جمعت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وكبار قادة الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتهم رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين هذه القمة لم تأتي كفعالية بروتوكولية فحسب بل كحدث استراتيجي يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون الشامل بين القاهرة وبروكسل في ظل عالم يموج بالأزمات والتحديات المتشابكة حيث ادركت أوروبا اخيراً أن مصر لم تعد مجرد دولة في جنوب المتوسط بل أصبحت ركيزة استقرار إقليمي وفاعل محوري في ملفات الأمن والطاقة والهجرة والتنمية ففي الوقت الذي تواجه فيه القارة العجوز تدفقات غير منتظمة من المهاجرين وأزمات طاقة متصاعدة برزت مصر كصمام أمان حقيقي من خلال دورها الحاسم في ضبط الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية دون أن تغلق أبوابها أمام اللاجئين الباحثين عن الأمان بل حولتها إلى مركز إقليمي للطاقة خاصة في مجال الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة بما يدعم أمن الطاقة الأوروبي واثبتت قدرتها على التوسط في النزاعات الإقليمية خصوصاً في غزة وليبيا والسودان ما جعلها صوتاً عاقلاً في منطقة مضطربة فقد شهدت القمة التوقيع على حزمة من الاتفاقيات الاستثمارية والمشروعات المشتركة شملت تمويلات أوروبية جديدة لدعم الاقتصاد المصري ضمن برنامج الشراكة الشاملة والمتقدمة ودعم قطاعات النقل والطاقة الخضراء والتحول الرقمي وتعزيز مشاركة الشركات الأوروبية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وقد مثلت هذه القمة انتقالاً من منطق المساعدات إلى منطق الشراكة بحيث اصبح التعاون قائماً على المصالح المتبادلة لا على التبعية الاقتصادية
كما شهدت القمة التركيز على ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان وخرجت من مراحل النقاش إلى إطار شراكة بنّاء
لا تصادمي وذلك مراعاةً لحساسية المرحلة وأهمية مصر في ضبط التوازنات الإقليمية
فالقاهرة من جانبها سعت إلى تثبيت صورة الدولة القادرة على تحقيق الاستقرار دون التفريط في السيادة أو الإرادة الوطنية
وهذا ما اتضح للعالم من خلال الحفاوة التى قوبل بها فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى
من ناحية اخرى ركزت فعاليات القمة على ملفات الهجرة والتنقل الآمن في ظل ضغط أوروبي متزايد للحد من الهجرة غير النظامية عبر المتوسط في المقابل طالبت مصر بزيادة الدعم التنموي والاستثماري في المناطق الأكثر فقراً بوصفها السبيل الحقيقي لمعالجة جذور الظاهرة لا أعراضها فقط كما ناقشت تعزيز التعاون في الطاقة الخضراء والهيدروجين
مما يفتح الباب أمام مصر لتكون مصدراً رئيسياً للطاقة النظيفة لأوروبا هذا وقد دخلت مصر القمة فى ظل التوترات في الشرق الأوسط والحرب في غزة لكن القيادة المصرية حملت رصيداً كبيراً من الدبلوماسية الهادئة والمبادرات الإنسانية خصوصاً في ملفات وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات
ورؤيتها المتكاملة التى حققت انفراجة لفتح الباب للسلام العادل من خلال قمة شرم الشيخ للسلام الذى يضمن أمن المنطقة واستقرارها ويربط بين التنمية والأمن بين الشعوب المجاورة فالقمة المصرية الأوروبية هذه المرة لم تكن مجرد اجتماع بين شركاء بل كانت نقطة تحول تاريخية في علاقة الجانبين فهي اعادت صياغة مفهوم الشراكة على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة واكد الزعماء الأوروبيين بأن مصر بثقلها السياسي والجغرافي والاقتصادي أصبحت شريك لا يمكن تجاوزه في معادلة الأمن الإقليمي والعالمي وقد اقتنع العالم بأن مصر دخلت بروكسل بثقة وأوروبا نظرت إلى القاهرة كشريك استراتيجي لا كجار
بعيد وهذه القمة ليست نهاية الطريق بل بداية لمرحلة جديدة من العمل المشترك لبناء شرق اوسط جديد اكثر استقراراً ومتوسط اكثر توازناً ومستقبل افضل للطرفين نظراً لأن مصر لم تعد بالنسبة لأوروبا مجرد دولة على الضفة الأخرى من المتوسط بل قوة إقليمية صاعدة وركيزة استقرار استراتيجي وشريك لا يُستبدل
فعندما تحدثت مصر أمام أوروبا فهي تحدثت بلغة الثقة لا للتبعية وبلسان من يملك رؤية واضحة لمستقبله ولمكانته وكما ذكرت
ان هذه القمة ليست نهاية طريقٍ طويل بل بداية مرحلة أعمق من التفاهم والتكامل لمرحلة تعترف فيها أوروبا أن أمنها يبدأ من الجنوب
وأن استقرار المتوسط يمر عبر القاهرة وتُدرك فيها مصر أن شراكتها مع أوروبا ليست خياراً دبلوماسياً فحسب بل رافعة استراتيجية لمستقبل مزدهر ومستقر وقد أكد فخامة الرئيس السيسى للعالم كله اثناء القمة بأن مصر كتبت من بروكسل صفحة جديدة في التاريخ الحديث للعلاقات بين مصر وأوروبا

اترك رد